والكلام على تفسير البسملة مستوفى في كتب المفسرين, ولنذكر خلاصة ذلك فنقول: الباء أداة تخفض ما بعدها, ومعناها في البسملة الاستعانة, وتطويلها في القرآن تعظيما لكتاب الله عز وجل, وإسقاط الألف من الاسم طلبا للخفة لكثرة استعمالها, وقيل لما أسقطوا الألف ردوا طولها إلى الباء ليدل على السقوط, ولذلك لما كتبت الألف { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِّي خَلَق } (العلق/1) ردت الباء إلى هيئتها. والاسم هو المسمى وعينه وذاته فإنك تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم, فتدعوه بأسمائه التي بها نفسه كما قال تعالى: {وَلله الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(الأعراف/180) وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الله أُوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَياً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} (الإسراء/110), ولو كانت أسماء الله غيره لكان الداعي بها مشركا إذ دعا مع الله غيره, ولكانت مخلوقة إذ كل ما سوى الله مخلوق, وهذا هو الذي حاوله الملحدون في أسماء الله تعالى وصفاته, تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وسيأتي بسط القول في ذلك إن شاء الله تعالى في الكلام عن الأسماء.
(الله) علم على ذاته تبارك وتعالى وكل الأسماء الحسنى تضاف إليه كما قال تعالى: {وَلله الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} وقال تعالى: {الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى}(طه/
ألا ترى أنك تقول الرحمن من أسماء الله تعالى والرحيم من أسماء الله ونحو ذلك, ولا تقول الله من أسماء الرحمن, وقال النبي: ((إن الله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة))
. واختلفوا في كونه مشتقا أو لا, ذهب الخليل وسيبويه وجماعة من أئمة اللغة والشافعي والخطابي وإمام الحرمين ومن وافقهم إلى عدم اشتقاقه لأن الألف واللام فيه لازمة فتقول يا الله ولا تقول يا الرحمن, فلولا أنه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام. وقال آخرون إنه مشتق, واختلفوا في اشتقاقه إلى أقوال أقواها أنه مشتق من أله يأله إلاهة, فأصل الاسم الإله. فحذفت الهمزة وأدغمت اللام الأولى في الثانية وجوبا فقيل الله, ومن أقوى الأدلة عليه قوله تعالى: {وَهُوَ الله فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْض}(الأنعام/3) مع قوله تعالى: {وَهُوَ الذِّي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه}(الزخرف/84) ومعناه ذو الألوهية التي لا تنبغي إلا له, ومعنى إله يأله إلهة عبد يعبد عبادة فالله المألوه أي المعبود. ولهذا الاسم خصائص لا يحصيها إلا الله عز وجل, وقيل إنه هو الاسم الأعظم
.
(الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, ورحمن أشد مبالغة من رحيم فالرحمن يدل على الرحمة العامة كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}(طه/5) والرحيم يدل على الرحمة الخاصة بالمؤمنين كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالمؤْمِنِينَ رَحِيما}(الأحزاب/43) ذكره ابن جرير بسنده عن العزرمي بمعناه
. وفي الدعاء المأثور ((رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما))
, والظاهر المفهوم من نصوص الكتاب والسنة أن اسمه الرحمن يدل على الصفة الذاتية من حيث اتصافه تعالى بالرحمة, واسمه الرحيم يدل على الصفة الفعلية من حيث إيصاله الرحمة إلى المرحوم, فلهذا قال تعالى: {وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيما},{إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم}(التوبة/117) ولم يأت قط إنه بهم رحمن, ووصف نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه رؤوف رحيم فقال تعالى: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم}(التوبة/128) ولم يصف أحدا من خلقه أنه رحمن فتأمل ذلك, والله أعلم.
(راض) خبر لمبتدأ محذوف تقديره وأنا راض (به) أي بالله عز وجل (مدبرا) حال من الضمير المجرور أي بتدبيره لي في جميع شؤوني, فإن أزمة الأمور بيده وهو الذي يعلم ما نعلم ويقدر ما لا نقدر, وهو الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض{الله الذِّي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُّلِ شيء عِلْما}(الطلاق/12)
و(معينا) لي في جميع أموري الدينية والدنيوية فإني لا أقدر إلا على ما أقدرني عليه ولا علم لي إلا ما علمنيه فلا أعبد إلا إياه ولا أستعين إلا به ولا أتوكل إلا عليه, ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه.